غالبًا ما يُذكر اسم إستونيا في النقاشات حول الأنظمة الضريبية المواتية. بفضل سياستها المبتكرة التي تقضي بعدم فرض ضريبة دخل الشركات على الأرباح المعاد استثمارها، وبيئة الأعمال الرقمية الرائدة فيها، اجتذبت هذه الدولة البلطيقية الصغيرة رواد الأعمال من مختلف أنحاء العالم لتأسيس شركاتهم هنا. بل وقد تم تصنيف إستونيا كأفضل دولة في العالم من حيث تنافسية الضرائب وفقًا لمؤسسة تاكس فاونديشن (Tax Foundation) لعدة سنوات على التوالي. ولكن هل يعني ذلك أن إستونيا تُعتبر «ملاذًا ضريبيًا»؟
تعريف الملاذات الضريبية ومقارنتها بإستونيا
مصطلح الملاذ الضريبي يستحضر في الأذهان صور الجزر الاستوائية مثل جزر كايمان أو بنما، حيث يخفي الأثرياء أموالهم في حسابات خارجية سرية. في هذه المقالة، سنعرّف ما هو الملاذ الضريبي (وما المقصود بمصطلح الولاية القضائية الخارجية)، ونقارن إستونيا بالملاذات الضريبية التقليدية من حيث الشفافية واللوائح والضرائب، كما سنستعرض أهم مزايا إستونيا.
الهدف هو تحديد بصورة متوازنة ما إذا كانت إستونيا تستحق وصف الملاذ الضريبي، أم أنها ببساطة بيئة ضرائب تنافسية وشفافة.
ما هو الملاذ الضريبي؟
بعبارة بسيطة، الملاذ الضريبي هو بلد (أو ولاية قضائية) يوفّر للأفراد والشركات الأجنبية التزامات ضريبية منخفضة للغاية أو منعدمة، ويترافق ذلك عادةً مع قوانين تحجب المعلومات المالية عن السلطات الأخرى. والأهم من ذلك أن الملاذات الضريبية تقدّم عادةً قدرًا كبيرًا من السرية أو انعدام الشفافية. بمعنى آخر، هي لا تتميز فقط بضرائب منخفضة، بل أيضًا بلوائح غامضة يمكن أن تسهّل إخفاء الأصول أو الدخل عن سلطات الضرائب. ويمكن أن تشمل هذه السرية حسابات مصرفية مجهولة الهوية، أو سجلات تجارية سرية، أو قواعد إفصاح متساهلة.
يُستخدم مصطلح الولاية القضائية الخارجية غالبًا في السياق نفسه مع الملاذات الضريبية. في الواقع، تُستعمل عبارات «الولاية القضائية الخارجية»، «المركز المالي الخارجي» و«الملاذ الضريبي» أحيانًا كمترادفات.
أين تقع أشهر الملاذات الضريبية في العالم؟
تشمل الأمثلة الكلاسيكية على الملاذات الضريبية ولايات قضائية مثل جزر كايمان، وبرمودا، وجزر العذراء البريطانية، وبنما، وغيرها. عُرفت هذه الأماكن منذ زمن بعيد بضرائب معدومة أو منخفضة جدًا (لا سيما للمقيمين الأجانب أو الشركات الخارجية)، وبسياسات تستقطب رأس المال الدولي عبر الوعد بالخصوصية. فعلى سبيل المثال، العديد من هذه الملاذات لا تفرض أي ضرائب على أشكال مختلفة من الدخل. فجزر كايمان، على سبيل المثال، لا تفرض على الشركات أي ضرائب على دخل الشركات أو على أرباح رأس المال أو على الرواتب إطلاقًا. وفي بعض الحالات، يمكن تسجيل آلاف الشركات الوهمية على عنوان مبنى واحد فقط، مما يبرز الطابع الصوري للعديد من الكيانات في مثل هذه الولايات القضائية.
من المهم الإشارة إلى أن استخدام الملاذ الضريبي ليس بالضرورة أمرًا غير قانوني بحد ذاته – إذ يمكن للأفراد والشركات قانونيًا توجيه أرباحهم عبر هذه الولايات القضائية لخفض أعبائهم الضريبية. ومع ذلك، فإن احتمال إساءة الاستخدام مرتفع. غالبًا ما ترتبط الملاذات الضريبية بترتيبات تجنب ضريبي عدوانية أو حتى بالتهرب وغسل الأموال، نظرًا للجمع بين الضرائب المنخفضة والسرية. وقد أدى ذلك إلى تزايد الضغوط الدولية (من جهات مثل منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) والاتحاد الأوروبي) لاتخاذ إجراءات صارمة ضد أكثر ممارسات الملاذات الضريبية ضررًا.
مقارنة إستونيا بالملاذات الضريبية التقليدية
للوهلة الأولى، تشترك إستونيا مع الملاذات الضريبية المعروفة في سمة جذابة واحدة: ضرائب متدنية للغاية على أرباح الشركات (وتحديدًا، معدل ضريبة 0% على أرباح الشركات غير الموزعة). هذه الميزة دفعت بعضهم إلى إطلاق لقب «جنة الشركات الناشئة» على إستونيا أو التساؤل عمّا إذا كانت شكلاً جديدًا من الملاذات الضريبية الأوروبية.
ولكن عند مقارنة إستونيا بملاذات ضريبية تقليدية مثل جزر كايمان أو برمودا أو بنما استنادًا إلى عوامل أساسية – كالشفافية، والتشريعات المنظمة للشركات، والمعاملة الضريبية – نجد اختلافات جوهرية.
الشفافية
غالبًا ما تقترن الملاذات الضريبية التقليدية بسرية صارمة. فعلى سبيل المثال، اشتهرت بنما تاريخيًا بوجود قوانين صارمة للسرية المصرفية، مما يعني أن المصارف هناك لم تكن تستطيع بسهولة مشاركة معلومات أصحاب الحسابات، وهذا ساعد العملاء على البقاء مجهولين. وبالمثل, تسمح العديد من الملاذات الخارجية بأن يظل المالكون الحقيقيون للشركات (أي المالكون المستفيدون) مخفيين خلف مديرين صوريين أو من خلال صناديق ائتمان وأسهم لحاملها. وفي حالات قصوى، قد يستضيف مبنى إداري واحد في إحدى تلك الملاذات عشرات الآلاف من الشركات على الورق – فقد أشار تقرير أمريكي سيئ السمعة عام 2008 إلى وجود مبنى واحد في جزر كايمان مُسجّل فيه 18,857 شركة على ذلك العنوان. يوضح هذا كم يمكن أن تكون هذه الترتيبات غامضة ومنفصلة عن النشاط الاقتصادي الحقيقي.
اللوائح التنظيمية للشركات
تميل الملاذات الخارجية التقليدية إلى امتلاك متطلبات تنظيمية متساهلة للغاية للشركات غير المقيمة. فالعديد منها لا يفرض أي اشتراط لوجود اقتصادي محلي – ففي غالب الأحيان، لا حاجة إلى موظفين محليين أو مكاتب؛ إذ يكفي وجود وكيل مسجل محلي وصندوق بريد. وتكون متطلبات الإبلاغ المالي والمحاسبة في حدها الأدنى أو شبه معدومة بالنسبة للشركات الخارجية. يمكن أن يؤدي ذلك إلى ظهور ما يصفه الاتحاد الأوروبي بـ«مقار صورية» – أي شركات مسجلة في مكان ما دون أي نشاط حقيقي أو وجود فعلي فيه، وإنما لأغراض ضريبية بحتة. فعلى سبيل المثال، قد لا تحتاج شركة أعمال دولية خارجية في بعض ولايات الكاريبي إلى تقديم بيانات مالية سنوية أو قد لا تخضع لأي تدقيق مالي، طالما أنها لا تمارس أي أعمال محلية.
المعاملة الضريبية
يكمن أكبر اختلاف في كيفية فرض الضرائب على الدخل. فالملاذات الضريبية التقليدية تعرض عمومًا ضرائب معدومة أو شبه معدومة على أنواع معينة من الدخل، خاصةً للأجانب. فعلى سبيل المثال، لا تفرض جزر كايمان أي ضريبة دخل شركات على أرباح الشركات إطلاقًا – إذ يمكن لشركة في كايمان أن تحقق أرباحًا غير محدودة دون أن تدفع شيئًا كضرائب شركات محلية. وبالمثل، يعني النظام الضريبي الإقليمي في بنما أنه إذا كان دخل الشركة يأتي بالكامل من الخارج، فلن تفرض بنما عليه أي ضرائب على الإطلاق – وبالتالي فإن مثل هذه الشركة الخارجية تدفع فعليًا نسبة 0% ضرائب على الإيرادات المتأتية من الخارج. كما أن برمودا لا تفرض ضريبة دخل شركات. وتحافظ هذه الأماكن على إيرادات الحكومة عبر وسائل أخرى (مثل الرسوم، أو فرض الضرائب فقط على الأنشطة المحلية) لكنها في الأساس تعد المستثمرين أو الشركات الأجنبية بأنها لن تُفرض ضرائب على أرباحهم.
أما النظام الضريبي في إستونيا فيختلف اختلافًا جذريًا. فإستونيا لا تقدم نظام إعفاء ضريبي شامل بنسبة صفر للجميع – وإنما تؤجل فرض الضرائب لتشجيع النمو. ففي إستونيا، لا تُفرض الضرائب على أرباح الشركات إلا عند توزيعها (أي عند دفعها كتوزيعات أرباح أو مدفوعات معينة أخرى). بمعنى آخر، إن الشركة الإستونية التي تعيد استثمار أرباحها ستدفع 0% ضريبة على تلك الأرباح المعاد استثمارها في ذلك الوقت – ولكن عندما تقرر دفع أرباح للمساهمين، فسوف تخضع لضريبة بنسبة 20–22%. وهذه نسبة ضريبية كاملة بالمعايير الدولية (مماثلة أو حتى أعلى من معدلات ضريبة الشركات في العديد من البلدان). وعلى النقيض من ذلك، يمكن لشركة في ملاذ ضريبي حقيقي مثل جزر كايمان أو جزر العذراء البريطانية أن توزع أرباحها على مالكها الأجنبي وتظل تدفع 0% محليًا. إن نهج إستونيا أشبه بتأجيل الضريبة: يمكنك تأجيل فرض الضريبة من خلال إبقاء الأرباح داخل الشركة لتنمية الأعمال. إنه نهج ملائم جدًا للشركات، لكنه ليس إعفاءً ضريبيًا مطلقًا على الأرباح إلى الأبد.
الامتثال الدولي
هناك نقطة مقارنة أخيرة تتعلق بكيفية نظر المجتمع الدولي إلى هذه الولايات القضائية. فقد أُدرجت العديد من الملاذات التقليدية على قوائم سوداء أو رمادية مختلفة لعدم التعاون في المسائل الضريبية. فعلى سبيل المثال، يحتفظ الاتحاد الأوروبي بقائمة لـ«ولايات قضائية غير متعاونة ضريبيًا» (وهي في الأساس دول يرى أنها تنتهج ممارسات ضريبية ضارة أو تفتقر إلى الشفافية). وقد ظهرت بنما وجزر كايمان وبرمودا وغيرها على هذه القوائم أو تلقت تحذيرات من الاتحاد الأوروبي ومنظمة OECD في الماضي.
أما إستونيا، كونها عضوًا في الاتحاد الأوروبي ومنظمة OECD، فهي على الطرف الآخر من تلك الجهود – تساعد في وضع القواعد بدلًا من أن تُنتقد بسببها. وتمتثل إستونيا لإجراءات مشروع تآكل القاعدة الضريبية ونقل الأرباح (BEPS) الخاص بمنظمة OECD، كما تتبادل تلقائيًا الأحكام الضريبية والمعلومات لمنع التهرب. وقد كانت مدافعة عن فرض ضرائب عادلة وشفافة ضمن الاتحاد الأوروبي. إن هذا التوافق مع المعايير العالمية يميّزها بوضوح عن تلك الولايات التي أصبحت سيئة السمعة بسبب السرية أو تسهيل التهرب الضريبي. فلا أحد يتهم إستونيا بأنها ملاذ ضريبي مارق في المنتديات الدولية؛ بل غالبًا ما تمتدح بسبب سياستها الضريبية المبتكرة لكنها المسؤولة.
وباختصار، تختلف إستونيا عن الملاذات الضريبية التقليدية في جوانب حاسمة: فهي شفافة حيث تكون تلك سرية، وتفرض متطلبات الامتثال المؤسسي الاعتيادية حيث غالبًا ما لا تفرض تلك أي متطلبات، وفي النهاية تفرض ضرائب على أرباح الأعمال (بمعدل طبيعي) في حين أن تلك الملاذات عادةً ما تطبق ضرائب قليلة أو معدومة.
هل إستونيا ملاذ ضريبي؟
بعد استعراض كل ما سبق، يمكننا الإجابة بأن إستونيا ليست ملاذًا ضريبيًا بالمعنى التقليدي، وإن كانت بيئة ذات تنافسية ضريبية وملائمة للأعمال. وينشأ هذا الالتباس أحيانًا لأن إستونيا تتيح معدل ضرائب فعلي منخفض على أرباح الشركات المعاد استثمارها (0% يمكن أن يستمر لسنوات عديدة)، مما يبدو ظاهريًا وكأنه نهج ملاذ ضريبي. لكن تذكروا السمات المحدِّدة للملاذ الضريبي – ضرائب شديدة الانخفاض (أو معدومة) مصحوبة بالسرية وانعدام الرقابة. هذه الجوانب الأخيرة لا تنطبق على إستونيا.
فيما يلي بإيجاز بعض النقاط الرئيسية التي تدفع الخبراء للقول بأن إستونيا ليست ملاذًا ضريبيًا:
- تفرض إستونيا الضرائب على الشركات – ليس في وقت تحقيق الأرباح، وإنما عند توزيعها. إن معدل الضريبة القياسي على الأرباح الموزعة (حوالي 20–22%) هو معدل طبيعي، وليس «اسميًا» أو صفريًا. هذا يعني أن إستونيا ليست مكانًا يقدم ضرائب صفرية على أرباح الشركات عمومًا، بل مجرد تأجيل للضريبة. فالعديد من الملاذات الحقيقية تتيح ضرائب صفرية أو شبه صفرية حتى على التوزيعات، خاصة للشركات المملوكة لأجانب. وكما جاء في أحد التحليلات، تتمتع إستونيا ببعض الخصائص الجذابة المشابهة لما يوجد في الملاذات الضريبية (مثل عدم فرض ضرائب على الأرباح غير الموزعة)، لكنها لا تفي بالتعريف التقليدي للملاذ الضريبي لأنها تحافظ على مستوى عالٍ من الشفافية والامتثال الدولي. وبعبارة أخرى، إن نظام إستونيا يتعلق أساسًا بـموعد دفع الضريبة، وليس بما إذا كان يجب دفعها على الإطلاق.
- الشفافية والامتثال: إن التزام إستونيا بالتعاون الضريبي الدولي هو النقيض التام لسلوك الملاذات الضريبية. فالملاذات الضريبية تعتمد عادة على السرية؛ بينما تعمل إستونيا بمنتهى الشفافية. وبناءً على ذلك، لن تجد اسم إستونيا في قوائم الولايات القضائية السرية التي تسهّل التهرب الضريبي. في الواقع، تقدّر «شبكة العدالة الضريبية» (Tax Justice Network) – التي تدرس الملاذات الضريبية والسرية المالية – أن إستونيا مسؤولة عن جزء ضئيل يكاد لا يُذكر من مشكلة التهرب الضريبي عالمياً (أقل بكثير من 1%). وهذا يدل على أنه على الصعيد العالمي، لا تُعد إستونيا ملاذًا ذا شأن لتحويل الأرباح أو التدفقات غير المشروعة مقارنةً بأماكن مثل برمودا أو لوكسمبورغ أو جزر كايمان.
- السمعة والوضع القانوني: تُعتبر إستونيا عضوًا محترمًا في كل من الاتحاد الأوروبي ومنظمة OECD، ولم تُدرج بأي صفة رسمية كملاذ ضريبي. فعلى سبيل المثال، لا تشمل القائمة السوداء للاتحاد الأوروبي الخاصة بالولايات القضائية غير المتعاونة ضريبيًا (وهي أداة للضغط على الملاذات لتعديل ممارساتها) إستونيا ضمنها (إذ تستهدف القائمة أساسًا الدول والأقاليم الصغيرة خارج الاتحاد الأوروبي). علاوة على ذلك، رفض المسؤولون الإستونيون علنًا وصف «الملاذ الضريبي»، مؤكدين أنه بالرغم من كون ضرائب البلاد منخفضة وبسيطة، فإن كل شيء يتم بشفافية وبشكل قانوني. وقد أشار دميتري يغوروف، وكيل وزارة المالية الإستونية، إلى أن العديد من رواد الأعمال الأجانب من حاملي الإقامة الإلكترونية (e-Residency) ينتهي بهم الأمر إلى دفع ضرائب أكثر في بلدانهم الأصلية لأن شركاتهم المسجلة في إستونيا تنمو بوتيرة أسرع. بمعنى آخر، يمكن لنظام إستونيا أن يعزّز النشاط التجاري المشروع، مما يؤدي إلى دخل خاضع للضريبة في مكان ما، بدلاً من مجرد استنزاف الوعاء الضريبي لدول أخرى بشكل غير مشروع.
- لا يزال على رواد الأعمال دفع الضرائب في مكان ما: من المهم أن يدرك القراء الدوليون أن استخدام نظام الإقامة الإلكترونية (e-Residency) وهيكل الشركة في إستونيا ليس وسيلة للتهرب الشخصي من الضرائب. فإذا كنت تعيش في بلد آخر وتتلقى دخلًا من شركتك في إستونيا، فعليك عمومًا سداد ضرائب الدخل الشخصي في وطنك (ما لم تنقل إقامتك الضريبية إلى دولة منخفضة الضرائب). لن تفرض إستونيا ضرائب على راتبك إذا لم تكن مقيمًا ضريبيًا فيها، لكن بلدك سيفعل ذلك. وكما يوضح فريق برنامج الإقامة الإلكترونية ومقدمو الخدمات عادةً: الإقامة الإلكترونية هي هوية رقمية وليست إقامة ضريبية. قد يتيح لك هيكل شركتك في إستونيا تجنب دفع ضريبة الشركات إلى حين توزيع الأرباح، لكن ذلك لا يعني أنك معفي كفرد من الضرائب في بلدك. وهذا بعكس الصورة النمطية للملاذ الضريبي، حيث ربما يستقر المرء في جزيرة معدومة الضرائب ولا يدفع شيئًا في أي مكان. إن إستونيا ليست ملاذًا ضريبيًا شخصيًا لك؛ بل هي أداة لإدارة عملك بفعالية، على افتراض أنك ستلتزم بالقوانين الضريبية في أي بلد تقيم فيه فعليًا. وهذا النهج يتماشى مع القواعد الضريبية العالمية ويتفادى خلق ثقب أسود للتهرب الضريبي.
وباختصار، تقدم إستونيا ميزة ضريبية شفافة وقائمة على القواعد، وليست مهربًا يعتمد على السرية. ومن الأفضل وصفها بأنها ولاية قضائية فعّالة ضريبيًا ومتقدمة رقميًا بدلاً من كونها ملاذًا ضريبيًا. فقد تمكنت البلاد من أن تكون مواتية للأعمال وجاذبة للاستثمار دون اللجوء إلى الممارسات المشبوهة للملاذات التقليدية. وما يجذب رواد الأعمال والشركات إلى إستونيا هو سهولة ممارسة الأعمال فيها، وبيئتها المستقرة، وسياستها الضريبية الذكية – وليس لأنها مكان لإخفاء الأموال.
الخلاصة
إذًا، هل إستونيا ملاذ ضريبي؟ تشير الأدلة إلى أن الإجابة هي لا – على الأقل ليست كذلك وفق أي تعريف تقليدي. تفتقر إستونيا إلى العناصر الرئيسية التي تحدد الملاذات الضريبية الخارجية: فهي لا تقدم إعفاءات ضريبية شاملة بنسبة صفر للمستثمرين الأجانب (بل تؤجل الضريبة لكنها تُفرض في النهاية بمعدل طبيعي)، وبالتأكيد لا توفر السرية أو التراخي في إنفاذ القوانين. وبدلاً من ذلك، ينبغي النظر إلى إستونيا على أنها نموذج ضريبي مبتكر ضمن الاتحاد الأوروبي – يجمع بين ضرائب شركات منخفضة على الأرباح المعاد استثمارها، ونظام ضريبي بسيط بمعدل ثابت، وإدارة رقمية عالية التطور. توفر هذه الميزات فوائد مشروعة لرواد الأعمال والشركات، وتشجع على النمو والاستثمار بدلاً من التهرب الضريبي.
إستونيا: نظام ضريبي ملائم ولكنه شفاف
تتباين إستونيا بوضوح مع الملاذات التقليدية مثل جزر كايمان أو بنما، التي بنت قطاعاتها المالية على الحسابات المصرفية السرية والشركات الوهمية المعفاة من الضرائب. في إستونيا، لا يمكنك الاختباء في الظل؛ فكل شركة موجودة في سجل مفتوح، ويمكن الإبلاغ عن المعاملات بموجب اتفاقيات دولية. وما يمكنك فعله في إستونيا هو تنمية أعمالك بكفاءة وعلى نطاق عالمي، وذلك بفضل سياساتها التقدمية وبنيتها التحتية التقنية.
ومن منظور متوازن، تُعَدُّ إستونيا ولاية قضائية ودية للضرائب وتنافسية – فهي تصنف باستمرار ضمن المراكز الأولى في تنافسية الضرائب وسهولة ممارسة الأعمال – لكنها تعمل وفق المعايير الدولية وبشفافية. بالنسبة لرواد الأعمال والرحالة الرقميين، قد تبدو إستونيا بمثابة جنة ضريبية نظرًا لضريبة 0% على الأرباح المعاد استثمارها وخدماتها الإلكترونية الميسّرة. ولكن بالنسبة لمن يسعون للتهرب من الضرائب أو إخفاء الأصول، ستكون إستونيا مصدر خيبة أمل، لأنها تلتزم بالقواعد وتتوقع منك الأمر ذاته.
وفي الختام، فإن إستونيا ليست ملاذًا ضريبيًا بالمعنى السلبي الشائع؛ وإنما هي مثال على كيف يمكن لبلد ما أن يكون لديه نظام ضريبي ملائم للأعمال دون التفريط بالشفافية أو العدالة. فهي تقدّم أفضل ما في النموذجين – حوافز ضريبية منخفضة لتغذية النشاط الاقتصادي، وبيئة ذات سمعة طيبة تلتزم بالقانون. وهذا التوازن تحديدًا هو السبب في أن إستونيا تُعتبر كثيرًا نموذجًا يُحتذى به، وليست دولة منبوذة، في النقاشات الدولية حول الضرائب.